الاستخدامات الطبية لمنتجات النحل: الدلائل العلمية

تعد النحلة واحدة من أقدم الحشرات على الأرض، فعمرها يتجاوز 100 مليون سنة.  ومنحت النحلة بمشيئة الله تعالى المملكة النباتية والحيوانية فوائد كبيرة من خلال مساعدة الأزهار على التلقيح، وكذلك عن طريق إنتاج ما يسمى (منتجات النحل)، وهي: العسل، وغذاء الملكات، والشمع، وسم اللدغ، والبروبلز، وحبوب اللقاح.

 

وقد استعمل الإنسان هذه المنتجات غبر العصور غذاء ودواء لمعالجة مختلف الأمراض، وسوف نتطرق في هذه المقالة إلى شرح الدلائل العلمية، ومناقشة الأبحاث العلمية التي تدعم بصورة قاطعة الفوائد الصحية والغذائية لهذه المنتجات.

 

لو تطرقنا إلى فوائد العسل نجد أن آلاف الأبحاث العلمية أكدت خصائص العسل الصحية والغذائية، فمثلا: نشرت مجلة Biotech Biomed عام 2010م في عددها رقم 163 أن حقن العسل في أغشية البطن يمنع نمو أحد السرطانات المهمة (carcinoma) المسببة لاستسقاء البرتيونيوم البطني.  ونشرت المجلة الطبية ا لأمريكية المتخصصة في أمراض الحساسية في عددها رقم 24 الصادر عام 2010م أن العسل ليس له تأثيرات سلبية في الأنسجة المخاطية للجهاز التنفسي.  وفي هذا الصدد نشرت المجلة الأوروبية للأبحاث الطبية عام 2004م أحد أبحاثنا العلمية، الذي أكد أن استنشاق العسل يؤدي إلى توسع القصبات الهوائية، ويخفض ارتفاع ضغط الدم ومستويات السكر في دم المصابين بداء السكري.  ونشرت مجلة Nig J Physiol في عددها الصادر عام 2009م أن استعمال العسل مدة طويلة يؤدي إلى تقليل تركيز الكولسترول في الدم.  وفي هذا المجال نشرت المجلة الطبية للغذاء الدوائي الصادرة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية في عددها الصادر عام 2004م أحد أهم الأبحاث التي قمنا بها، وأظهرت أن استعمال العسل يوميا يؤدي إلى تقليل الكولسترول لدى الأصحاء والمرضى المصابين بارتفاع الكولسترول في الدم، وكذلك يؤدي إلى تقليل مستويات الدهون الثلاثية، ومستوى السكر في الدم، ومستويات العوامل التي تسبب أمراض الشرايين والقلب، كمادتي Homocystine  و  CRP ، ليس في الأصحاء فقط، بل في مرضى داء السكري، والمصابين بارتفاع الكولسترول.

 

ونشرت مجلة FASEB الأمريكية عام 2003م أحد أبحاثنا المتعلقة بتأثير العسل في داء السكري، وأظهرت أن العسل يخفض مستوى السكر في دم المصابين بداء السكري، بل إنه يرفع قدرة البنكرياس على إفراز الأنسولين.  وقد أيدت هذه النتائج المهمة نتائج البحث العلمي المنشور عام 2008م في المجلة العلمية العالمية Scientific World J ، إذ إن العسل ليس قادرا على تخفيض العوامل المسببة لأمراض القلب والشرايين فحسب، بل يخفض وزن الجسم أيضا.  وقد قورنت هذه النتائج مع استعمال سكر الطعام الأبيض الذي يؤدي إلى زيادة الوزن، وزيادة العوامل المسببة لأمراض القلب.  وفيما يخص قدرة العسل على قتل البكتيريا، نشرت مجلة FASEB الأمريكية الصادرة عام 2010م أن العسل قادر على القضاء على مختلف أنواع البكتيريا الممرضة للإنسان، والجراثيم المقاومة للمضادات مثل MRSA  و  VRE .

 

وفي هذا الموضوع، نشرت مجلة Med Sci Monit الصادرة من نيويورك عام 2005م ومجلة الأغذية الطبية الصادرة في كاليفورنيا عام 2004م، أبحاثا مهمة للفريق العلمي الذي ترأسته، وأثبت أن العسل الطبيعي قادر على إيقاف نمو مختلف الجراثيم التي تسبب الأمراض للإنسان وقتلها، وكذلك قدرته المميزة على قتل الفطريات الممرضة.  وفي عام 2005م نشرت مجلة Med Sci Monit الصادرة من نيويورك بحثا مهما، إذ اكتشفت فيه أول مرة أن العسل الطبيعي قادر على علاج فيروس الهيربس المتكرر في الفم، وكذلك النوع الذي يصيب الأعضاء التناسلية.  وقد لاقى هذا الاكتشاف الترحيب الواسع من الجهات الصحية والمرضى في مختلف أنحاء العالم.

 

من ناحية أخرى، فإن أبحاثنا العلمية منذ العقد الماضي إلى الآن أثبتت أن وضع العسل على جروح العمليات المصابة بالالتهابات، والمقاومة للالتئام، يؤدي إلى زيادة سرعة الالتئام، والقضاء على الالتهابات الجرثومية.

 

وقد نشرت هذه الأبحاث في المجلة الأوروبية للأبحاث الطبية عام 1999م، ومجلة الأغذية الطبية عام 2004م، وأجريت هذه الأبحاث على الإنسان والحيوانات المختبرية.  وكذلك دلت أبحاثنا العلمية المنشورة في مجلة الالتهابات السرية الجرثومية الصادرة عام 2005م على أن العسل مع شمع النحل يعالجان الالتهابات الجلدية عند الأطفال الناتجة من استعمال الحفاظات، وقمنا أيضا بدراسة تأثير العسل وشمع النحل في داء الصدفية، والإكزيما الجلدية، والبواسير الشرجية، إذ أظهرت النتائج المنشورة في الدوريات العلمية خلال السنوات الماضية أن العسل وشمع النحل لهما دور كبير في معالجة الأمراض الجلدية والبواسير المزمنة.  ليس هذا فقط، بل أثبتت تجاربنا أن العسل قادر على حماية الكبد والكلى ضد التسممات الكيماوية، وقد نشرت هذه الأبحاث المهمة في مجلة Nat Prod Res عام 2006م ومجلة Int J Food Sci Nut عام 2006م.

 

ووجدنا أيضا أن العسل قادر على تخفيض العوامل المسببة للآلام والالتهابات وتجلط الدم، وكذلك وجدنا أن العسل قادر على زيادة مادة Nitric Oxide المهمة في المناعة وتوسيع الشرابيين.  ونشرت المجلة العلمية المتخصصة في أمراض الكلى والمسالك البولية Int Urol Neph عام 2005م أحد أبحاثنا العلمية المهمة، إذ أظهرت النتائج قدرة العسل على تحسين وظائف الكلى عند الإنسان، وقدرة العسل أيضا على تقليل المواد المسببة لقلة ضخ الدم إلى الكليتين.  واستطعنا أول مرة قبل عدة سنوات إثبات إمكانية استعمال الحقن الوريدي للعسل في الحيوانات، إذ أظهرت النتائج المنشورة في الدوريات العلمية أن العسل يمكن أن يعطى بالوريد بتركيزات مختلفة، وله القدرة على تحسين وظائف نخاع العظم، ووظائف الكبد والكليتين، ويؤمل استعمال العسل المحقون بالوريد في المستقبل بدلا من المغذيات التي تعطى إلى المرضى.  وأكدت الدراسات الحديثة المنشورة في أمريكا أن العسل يقي المرضى المصابين بالرشح، ويساعد على الشفاء من السعال.

 

أما ما يخص غذاء الملكات، فقد نشرت مجلة J Med Food في عددها الصادر عام 2005م أن غذاء الملكات له خصائص مضادات الأكسدة، ويحمي الجسم من السموم الكيماوية.

 

وفيما يخص البروبلز (صمغ النحل)، فإن التجارب أثبتت أن البروبلز يملك قوة مضادات التأكسد، وقد نشر هذا الاكتشاف في المجلة العلمية للأغذية Nutr J .  ونشرت المجلة المتخصصة في الأغذية الصحية J Med Food بحثا شاملا عن فوائد العسل، وغذاء الملكات، والبروبلز، فأظهرت أن البروبلز لديه القدرة على قتل الفيروسات والبكتيريا، ومضاد للالتهابات، ومادة قوية لمكافحة التأكسد.

 

ونشرت مجلة J Ethnopharmacol دراسة مطولة عن علاقة البروبلز بالمناعة، فأظهرت النتائج أن البروبلز قادر على زيادة مضادات الجسم، ويرفع قدرة خلايا المناعة ليس على مكافحة الالتهابات فقط، بل على مكافحة الأورام السرطانية، وانتشار خلايا السرطان في الدم.  وهذه النتائج مشابهة لقدرة العسل على تقوية جهاز المناعة، إذ أظهرت أبحاثنا المنشورة في الدوريات العالمية في أوروبا وأمريكا أن العسل قادر على زيادة مضادات الأكسدة في الجسم، ويرفع أيضا مضادات الأجسام التي تنتجها خلايا المناعة، ونسبة الخلايا المناعية في الدم.

 

ونشرت مجلة Ftoterpia عام 2002م دراسة موسعة للأبحاث المنشورة عن البروبلز، وأظهرت الدراسات قدرة البروبلز على تخفيض ضغط الدم وارتفاع الكولسترول.  وأظهرت دراسة نشرت في مجلة Phythotherap Res عام 2001م أن البروبلز قادر – كما هو الحال في العسل – على حماية الكبد من السموم.  ونشرت المجلة الطبية الملكية البريطانية بحثا عام 1995م أظهر قدرة البروبلز على قتل الجراثيم الممرضة للإنسان كافة، كما هو الحال في العسل.

 

وفيما يخص حبوب اللقاح أظهرت دراسة علمية منشورة في المجلة المتخصصة في أبحاث النبات عام 2009م أن حبوب اللقاح لها خصائص مضادة للحساسية، ولها أيضا خصائص مضادة للتأكسد بشكل كبير.  وفيما يخص العلاج بلدغ النحل، فقد نشرت مجلة Ann Nucl Med عام 2010م أن سموم لدغ النحل تؤدي إلى علاج المفاصل الملتهبة، إذ أظهرت النتائج قدرة اللدغ على إيقاف مستلمات الآلام، ويعمل على تهبيط العوامل الالتهابية.  وفي عام 2010م نشرت مجلة Basic Clin Pharmacol بحثا أظهر أن لدغ النحل يؤدي إلى حمالة أنسجة الكبد من تأثيرات السموم.  وفي العام نفسه نشرت المجلة ذاتها أن لسموم لدغ النحل قابلية على قتل الجراثيم.  ونشرت المجلة العلمية المتخصصة في الأبحاث السرطانية عام 2010م أن لدغ النحل وسمومها قادران على إيقاف انتشار الخلايا السرطانية.  وفي عام 2010م نشرت المجلة المتخصصة في أمراض الأعصاب Neurol Res أن لدغ النحل قادر على حماية الأعصاب عند المرضى المصابين بمرض الشلل الرعاشي Parkinson's disease .

 

وكما ترى – أخي القارئ – فإن الأبحاث العلمية المنشورة في مختلف الدوريات الطبية والعلمية أثبتت أن منتجات النحل كافة لها قدرة شفائية عالية، وخصائص غذائية فريدة جدا، نادرا ما توجد في مواد غذائية أخرى، وأن منتجات النحل مفيدة للمرضى المصابين بداء السكري، وضغط الدم، والحساسية، والأنفلونزا، والسعال، والأمراض السرطانية، والأمراض المناعية، والمصابين بأمراض القلب والشرايين، وأمراض الكلى والكبد والأعصاب.  وكذلك فإن منتجات النحل لها تأثيرات إيجابية في مساعدة الجروح على الالتئام، ولها القدرة على قتل البكتيريا والفطريات والفيروسات، وأنا على يقين أن السنوات المقبلة ستشهد دخول منتجات النحل الحقل الطبي علاجا لمختلف الأمراض، بل إنها مواد طبيعية خالية إلى حد كبير من التأثيرات الجانبية المضرة.  وقد تم حصول ترخيص باستعمال العسل في بريطانيا وأمريكا الآن لمعالجة الجروح والقروح والحروق، وصدق الله العظيم حين قال في كتابه الكريم: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) النحل 68 ، 69. 

 

الدكتور نوري الوائلي

رئيس قسم الأبحاث السريرية في مؤسسة لايف سبورت الطبية بنيويورك

وأستاذ زائر في جامعة الملك سعود

نقلا عن مجلة الفيصل العلمية