الحساسية الجلدية لدى الأطفال

الدكتور صالح خالد الرشيد

اكزيما الأطفال بين العامل الوراثي وعوامل التغذية
احذروا البيض.. المكسرات.. الحمضيات والمواد الملونة
علاقة حساسية الأطعمة باكزيما الأطفال غير واضحة المعالم
تعد الحساسية الجلدية لدى الأطفال من أكثر الأمراض انتشاراً إذ لا يخلو بيت من طفل أو رضيع يعاني تلك الاكزيما التي تكون على شكل جفاف واحمرار وحكة شديدة غالباً ما تغطي الوجه (الخدين) والأطراف، والواقع أن هذا النوع يؤدي إلى ضغوط وتأثيرات نفسية على الطفل ووالديه وخاصة مع كثرة العوامل المسببة والمؤثرة وصعوبة الوصول إلى معرفتها وبالتالي عدم القدرة على التحكم فيها.

 

والحساسية التأتبية (إكزيما الأطفال) هي حالة مرضية تحتوي على تغييرات حادة تحدث في الجسم نتيجة لردة فعل مفرطة لمادة معينة سواء في داخل الجسم أو خارجه، وتحدث هذه الحالة في جميع الأعمار وفي جميع الأجناس، ويكون الاختلاف في مدى استعداد المريض الشخصي والوراثي بالإضافة إلى عوامل أخرى مساعدة كثيرة يصعب حصرها، وتعد الأغذية أحد أكثر المسببات والمؤثرة في استمرار وشدة هذا النوع من الحساسية.

وكثيراً ما توجه لي أسئلة واستفسارات من الآباء والأمهات عن هذه العلاقة، وهل من الأفضل عمل حمية لأطفالهم عن بعض الأطعمة خاصة أن عدداً من الأطباء ينصح بذلك ومن أول زيارة وبدون التأكد من وجود تلك العلاقة وعمل الفحوصات اللازمة.

يعتقد الكثير من الناس أن الأطعمة عامل مهم في اكزيما الأطفال أو ما يعرف بالاكزيما التأتبية، وفي الحقيقة هذا الاعتقاد يناله بعض الصحة، ولكن المشكلة أن بعض الآباء والأمهات يحرمون ويمنعون أطفالهم من هذه الأطعمة بدون أي فائدة تعود عليهم بل العكس قد تضرهم أكثر وخاصة على نمو هؤلاء الأطفال.

الواقع أنه لا أحد يعرف بالتأكيد أهمية حساسية هذه الأطعمة وعلاقتها باكزيما الأطفال لأن تأثير هذه الأطعمة على الجلد عملية معقدة ومن الصعوبة تقويمها، ولكن الحقائق المعروفة حتى الآن أنه في بعض الحالات قد تكون الأطعمة عاملاً يزيد من شدة هذه الاكزيما وبالذات لدى الأطفال فيما دون السنة الأولى من العمر.

أما السؤال الأهم هو كيفية معرفة أن لدى الطفل حساسية من أحد الأطعمة؟ ويكون ذلك بطريقة بسيطة وغير معقدة وهي منع الطفل من تناول ذلك الطعام الذي يعتقد والداه أنه يسبب أو يزيد حدة الاكزيما لمدة لا تتعدى ستة أسابيع ومن ثم يكون لديهم الشجاعة لادخال هذا الطعام بنسب قليلة ومتدرجة إلى طعام الطفل، ومن خلال مراقبة ما يحدث بعد ذلك في اليومين التاليين مثل الحكة، الارتكاريا، احتقان الأغشية المخاطية أو تأثيره على الجهاز الهضمي مثل الاسهال والتطريش (القيء) وآلام البطن، أما الجهاز التنفسي فيكون على شكل عطاس، حكة واحتقان أنفي وقد يصل أحياناً إلى ضيق في التنفس.

مما سبق يستطيع الوالدان بطريقة بسيطة وعن طريق الملاحظة من التأكد من وجود حساسية لدى الطفل المصاب بالاكزيما وبدون الدخول في مرحلة الطرق التشخيصية المتقدمة.

وفي الحقيقة لا بد من مناقشة هذا الموضوع مع الطبيب المعالج في حالة الشك في بعض الأطعمة وقبل البدء في منع الطفل من تناول ذلك الطعام، وتذكر دائماً أن الحليب ومشتقاته من أهم المصادر الغذائية (الكالسيوم، البروتين) لنمو الأطفال.

ومن أكثر الأطعمة المسببة للحساسية لدى الأطفال حسب الدراسات التي أجريت على أكثر من خمسمائة طفل مصاب بالاكزيما في جامعة بريطانية هي البيض، الحليب، المكسرات، الحمضيات، الشكولاته والمواد الملونة والمضافة وأخيراً الأسماك.

إنه من الصعب جداً منع الأطفال من تلك الأطعمة لكن بالتأكيد من الممكن جداً التقليل من تناولها بعد الرجوع إلى الطبيب المعالج، وللمعلومية فإن هذه الحساسية من تلك الأطعمة لا تكون دائمة لدى الطفل طوال العمر، فلا بد من محاولة إدخال تلك الأطعمة إلى غذاء الطفل بعد مرور سنة كاملة وبالتدريج وبعد مناقشة ذلك الموضوع مع الطبيب المعالج (ملاحظة: يمنع محاولة إعطاء المكسرات إطلاقاً وذلك لخطورة هذا النوع من الحساسية على حياة الطفل).

والفحوصات التي من الممكن عملها للتأكيد على وجود حساسية من الأطعمة يفضل عملها بعد تقدم الطفل في العمر تتكون من فحص الحساسية بالوخز (على الذراع)، وفحص للدم يسمى الراست (تحديد مضادات الأجسام)، وكلا الفحصين يعطي نتائج دقيقة لكن يجب عدم الاعتماد عليها مطلقاً.

وأخيراً أود أن أشدد على ضرورة وأهمية حليب الأم للطفل وأنه أحد العوامل الأساسية والمهمة في شفاء الاكزيما في سن مبكرة لدى الأطفال ويجب التشجيع على ذلك، وينصح بتأخير ادخال الأطعمة الصلبة إلى طعام الأطفال ما أمكن ذلك.

أما الأم الحامل فيجب عدم حجب بعض الأطعمة المسببة للحساسية بحجة تخفيف أو منع الإكزيما عن أطفالها، لكن من المفضل الامتناع عن بعض تلك الأطعمة أثناء فترة الرضاعة، وهذا يساعد كثيراً من التقليل من حدة الحساسية لدى الرضيع.

 

د. صالح خالد الرشيد

استشاري أمراض وجراحة الجلد

مجلة الجلدية العدد الثالث