قـبل استعمال الكريمات المبيّضة التجارية ... لحظة من فضلك ... مادة الزئبق السامة بانتظارك

الدكتور عبدالله بن محمد العيسى

 

انتشرت في مجتمعنا السعودي العديد العديد من المركبات والكريمات والخلطات مجهولة الهوية والعنوان، وأصبحت تباع -وللأسف الشديد - بدون أدنى استشارة طبية. وغدت متوفرة في الأسواق الشعبية ومحلات بيع النباتات العشبية إضافة إلى التموينات ومحلات التجميل والمشاغل النسائية.

ويقبل على شرائها الكثير من النساء اللواتي يرغبن في الحصول على بشرة نضرة خالية من التصبغات والبقع السمراء كما يعتقدون.  وراح العديد من التجّار وأصحاب المحلات تروّج لهذه الكريمات على أنها خلطات طبيعية خالية من الأضرار والآثار السلبية. ولكن الحقيقة أنّ معظم هذه الخلطات والكريمات تحتوي على نسب عالية من مادة الزئبق السّامة. وفي هذه المقال سأتحدث عن مادة الزئبق بشكل عام وعن آثاره الجانبية.

 

 

 

إن الزئبق هو معدن طبيعي يصنّف من أنه أحد المعادن الثقيلة ويوجد في الطبيعية على هيئة ثلاثة أشكال:

 

1- الزئبق المعدني : وهو سائل لا رائحة له ولونه أبيض فضي لامع يتبخر بمجرد تعرضه للحرارة، ويستخدم الزئبق المعدني عادة في المجالات الطبية مثل ميازين الحرارة وحشوات الأسنان. كما أنه يستخدم في الصناعة في المفاتيح الكهربائية والبطاريات.

 

2- الزئبق العضوي: ويتكون هذا النوع الزئبق من اتحاد الكربون بالزئبق ومن أنواعه الميثيل الزئبقي والإيثير الزئبقي والفينيل الزئبقي وتستخدم هذه المواد عادة في مطهرات التنظيف في المنازل وفي المبيدات الحشرية ويدخل تحت نوع الزئبق العضوي مركب التامرسول وهي مادة حافظة تستخدم عادة في اللقاحات الطبية.

 

3- الزئبق غير العضوي:  وتكون معظم مركبات الزئبق غير العضوي على شكل مسحوق أبيض أو بلورات وهذا النوع من الزئبق هو المستخدم عادة في كريمات تبييض البشرة. كما أن معظم نفايات الزئبق تكون من هذا النوع وبالتالي إن ما يرمى من نفايات في المياه هو زئبق غير عضوي، وتقوم أنواع معينة من البكتيريا بتحويله إلى زئبق عضوي، والزئبق العضوي هذا يتسلل إلى لحوم الأسماك التي تقتات على هذه الأنواع من البكتيريا. وبالتالي يحدث ما يدعى التسمم الغذائي بالزئبق. وأود أن أضيف هنا أنّ الأسماك متوسطة الحجم  تعيش على فتات مخلّفات السفن كطعام لها. وبعدها تتغذى الأسماك الكبيرة مثل سمك التونة على تلك الأسماك الملوثة. إضافة أن أسماك التونة تختلفة عن غيرها من الأسماك أنها ليست مغطاة بحراشف وبالتالي ربما تكون أكثر عرضة للتلوث بالمبيدات والمواد الملوثة الموجودة في الماء من غيرها من الأسماك. ولهذا حذّر بعض الخبراء بعدم الإفراط في تناول لحم التونة ونبّه بعضهم عدم تجاوز الاستهلاك الفردي لأكثر من 200 غرام من لحم التونة في الأسبوع.

 

لقد تمّ استخدام مستحضرات التجميل ومبيضات البشرة منذ فترة زمنية طويلة في دول شتّى، والحقيقة أن المستحضرات الحاوية على الزئبق تلك والتعرض المزمن لمادة الزئبق سواء كان العضوي أو غير العضوي يؤدي إلى تلف بالكلية والدماغ. كما أن الجهاز العصبي نفسه ليس في منأى عن تلك الأذية. ويعتبر الانسمام الكلوي للزئبق هو الأكثر مشاهدة . وما دام حديثنا اليوم عن الزئبق الموجود في المستحضرات التجميلية وأقصد بذلك الزئبق غير العضوي مثل الزئبق الممزوج بالنشادر أو الممزوج مع عناصر أخرى منشطة في كريمات البشرة. وقد أبدت الدراسات أن استخدام مثل تلك المواد قد تؤدي إلى الانسمام الكلوي ولو استخدمت تلك المواد أيضا أثناء فترة الحمل لربما أدت إلى تعرّض وتكدّس الزئبق على الأغشية المشيمية وبالتالي يؤدي إلى ضمور نمو الجنين.

 

لقد حددت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA في عام 1992 نسبة الزئبق المسموح به في مستحضرات التجميل، وبيّنت أن تلك المادة يجب أن لا تزيد عن 1 جزء من المليون. وللأسف الشديد أن معظم المواد المتوفرة في السوق المحلي تحتوي على نسبة من الزئبق تفوق بكثير النسب المسموح بها.

 

ولقد تم إجراء دراسة محليّة لمعرفة تركيز الزئبق في كريمات تبييض البشرة المتوفرة في السوق المحلي. وتمت تلك الدراسة في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث من قبل الدكتورة إنعام الدوش وتم نشرها في مجلة ( Journal of Toxicology and Environmental Health ). في العدد رقم ( 51 ) صفحة ( 123 -130  ) عام   1997م، وكان موضوعه " المتحوى الزئبقي لكريمات تبييض البشرة وخطورته على الصحة في المملكة العربية السعودية ". وفي هذه الدراسة تم تحليل تركيز الزئبق في 38 عينة من تلك الكريمات وتبيّن بعد تحليلها ودراستها أّن حوالي 45% من العينات المختبرة تحتوي على الزئبق بنسبة تفوق الحد المسموح به وهي 1 جزء من المليون وتراوحت المعدلات في تلك الكريمات بين 1.2 إلى 77513 جزءاً من المليون، وعلى الرغم أن نتائج التحاليل تلك أظهرت أن الـ55% الباقية من تلك العينات تحتوي على معدلات ضمن النسب المسموح بها. إلا أن هذا لا يعني مطلقاً أنها ليست ذات أخطار محتملة. فالزئبق معروف بأنه معدن تراكمي وبالتالي فإن ظهور الآثار الجانبية تكون مع مرور الوقت.  

 

وأخيراً أود القول أن النسب العالية من الزئبق والمتوفرة في تلك الكريمات والخلطات المبيّضة للبشرة يمتصها الجلد وتؤدي إلى خلل في الأعضاء الداخلية وخصوصا الجهاز العصبي والكليتين وقد تكون عاملاً مؤهباً لفشل تلك الأجهزة أو مساعداً في قصور وظائفها وعدم القيام بها على الوجه الأكمل. وقد تبدو الأعراض عند الأشخاص المصابين بالانسمام بالزئبق غير واضحة وتتراوح عادة بين رعشة وصداع واضطراب في الذاكرة والنسيان. وقد تبدو أحياناً أعراض الفشل الكلوي مخاتلة. لذلك أنصح بالابتعاد عن استعمال تلك الكريمات حتى لا يعرّض الانسان صحته للخطر وخاصة النساء في مرحلة الحمل. وأطلب من السادة المستهلكين أن يكونوا أكثر حكمة ووعياً عند استعمال تلك الأنواع من الكريمات حتى يجنّبوا أنفسهم تلك الأخطار المحدقة بهم جرّاء التسمم بالزئبق. ولقد قامت وزارة الصحة مشكورة منذ فترة بسحب مستحضرين من مستحضرات تبييض البشرة من الأسواق المحلية يحتويان على الزئبق السّام.

 

ويمكن قياس نسبة الزئبق عن طريق معايرته بعد جمع بول 24 ساعة كما يقاس الزئبق الشعر وهي الطريقة المثلى لمعرفة مخزون الجسم من الزئبق في حين أن معدل نسبة الزئبق في البول تدل على إخراج الزئبق من الجسم.

 

وختاماً ... أتمنى لكم الصحة الدائمة.

 

 

الدكتور عبد الله بن محمد العيسى

استشاري أمراض طب وجراحة الجلد والعلاج بالليزر